نوفمبر
2024
توفي في مثل هذا اليوم القائد صلاح الدين الأيوبي.
ولد القائد صلاح الدين الآيوبي في العراق في 1138 وتوفي في دمشق في 4 مارس عام 1193 بسبب اصابته بالحمي ودفن في الجامع الاموي وهو قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظل الراية العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 عام تمكن بعد معارك عديدة من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس بعد أن هزم جيش بيت المقدس هزيمة منكرة في معركة حطين و لقب بالملك الناصر ، تزوج من أرملة نور الدين زنكي عصمة الدين خاتون في عام 1176 وانجبت له إحدى زوجاته غازي وداود في عامي 1173 و1178 على التوالي، وأنجبت له أخرى إسحق في عام 1174 وولدًا آخر في شهر يوليو من عام 1182 وأنجب صلاح الدين الأيوبي خمسة أبناء قبل مغادرته مصر في عام 1174 ، اتبع المذهب السني والطريقة القادرية ويقال انه كان يصحب علماء الصوفية الأشاعرة لأخذ الرأي والمشورة وكان متسامحا ويعتبر من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي ولذلك حظي باحترام خصومه خاصا ملك إنگلترا ريتشارد الأول "قلب الأسد"
قضي فترة شبابه في بلاط الملك العادل نور الدين محمود أمير دمشق وكان يعشق دمشق عشقًا شديدًا وتلقى علومه فيها وبرع في دراساته حيث كان عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات المجسطية وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية و كان أكثر شغفًا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته وكان ايضا ملمًا بعلم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر حيث حفظ ديوان الحماسة لأبي تمام عن ظهر قلب أيضًا أحب الخيول العربية المطهمة.
كان الفاطميون يحكمون مصر ويدعون لخلفائهم على منابر المساجد ولا يعترفون بخلافة بغداد وكان الصليبيون يحتلون الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط من آسيا الصغرى إلى شبه جزيرة سيناء، والأتابكة يسيطرون على شمال العراق وسوريا الداخلية ، لمع نجم صلاح الدين في سماء المعارك عندما أقبل الوزير الفاطمي شاور بن مجير السعدي إلى الشام وهربًا من الوزير ضرغام ومن مصرفوجه نور الدين معه أسد الدين شيركوه بن شاذي في جماعة من عسكره كان صلاح الدين وكان لنور الدين هدفان الاول :
قضاء حق شاور لكونه قصده والثاني أنه أراد استعلام أحوال مصر وجعل أسد الدين شيركوه صلاح الدين مقدم عسكره وشاور معهم فخرجوا من دمشق على رأس الجيش في جمادى الأولى عام 559 هـ ودخلوا مصر وسيطروا عليها واستولوا على الأمر في رجب في نفس العام واقتصر دورصلاح الدين على مهمات ثانوية وعندما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الوزير ضرغام وحصل لشاور مقصوده وعاد إلى منصبه واستمرت أموره غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد بالفرنجة عليه فحاصروه في بلبيس ثلاثة أشهرتحت ضغط من هجمات مملكة القدس الصليبية والحملات المتتالية على مصر و قلة عدد الجنود الشامية فأجبر على الانسحاب من البلاد فتجهز أسد الدين في قيادة الجيش وخرج من دمشق وأنفذ معه نور الدين العساكر وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين وكان وصول أسد الدين إلى البلاد مقارنًا لوصول الفرنجة إليها فاتفقوا مع الفاطميين عليه فاشتبكوا في أوّل معركة كبيرة في صحراء الجيزة وفي تلك المعركة لعب صلاح الدين دورًا كبيرًا حيث كان جيش المصريين والفرنجة يفوق جيش الشام عددًا فرأى شيركوه أن يجعل صلاح الدين على القلب لاعتقاده بأن الفرنجة سيحملون على القلب ظنًا منهم أن شيركوه سيكون في القلب وتولّى شيركوه قيادة الميمنة مع شجعان من جيشه وسُلّمت قيادة الميسرة إلى جمع من القادة الكرد وعند بداية المعركة حمل الصليبيون على القلب الذين تقهقروا بانتظام أمام هذا الهجوم ليطوّقهم بعد ذلك شيركوه وجنوده ويرى البعض أن وعورة الأرض وكثافة الرمال وثقل الجياد الأوروبية والجنود الفرنجة المدرعين أسهمت في ذلك فهزمهم جيش الشام واستطاع صلاح الدين أسر أحد قادة الجيش الصليبي عندما هاجم جناحه ، وبعد النصرتوجه أسد الدين إلى مدينة الإسكندرية المعروفة بكرهها لشاور وفتحت له أبوابها ولكن سرعان ما أعاد عموري الأول ملك بيت المقدس وشاور ترتيب الجيش وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بهما فكان لا يزال جيشهما أكثر عددًا من جيش أسد الدين وضربوا حصارًا قاسيًا على الإسكندرية فقرر أسد الدين التسلل مع حامية إلى خارج الإسكندرية واستخلف صلاح الدين عليها متوجهًا إلى مصر العليا أملاً بأن تلحق به جيوش عموري إلا أن شاور أشار بأهمية الإسكندرية وحين اشتد الحصار على الإسكندرية تحرك نحوها فلقفه الصليبيون في الصلح ووافق على ذلك على أن يخرج جيشا الفرنجة والشام من مصر ليخرج جيش الشام من مصر في عام 1167.
عاد أسد الدين من دمشق إلى مصر الإفرنج جمعوا فارسهم وخرجوا يريدون مصر لتخلف شاور عن دفع الإتاوة إلى الحامية الصليبية إ، كما يوجد شائعات تفيد بأن الكامل بن شاولر تقدم للزواج من اخت صلاح الدين فلما عرف اسد الدين ونور الدين ذلك لم يسعهما الصبر فسارعا إلى مصركان شاور لما أحس بخروج الإفرنج إلى مصر سيّر إلى أسد الدين في دمشق يستصرخه ويستنجده فخرج مسرعًا وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول عام 564 هـ، ولما علم الملك عموري الأول بوصول أسد الدين على رأس الجيش من دمشق إلى مصر قرر مباغتته عند السويس، لكن أسد الدين أدرك ذلك فاتجه نحو الجنوب متجاوزًا الصليبيين فما كان من عموري إلا الجلاء عن أرض مصر في 2 يناير عام 1169، ليدخل أسد الدين القاهرة 8 يناير عام 1169موفي 18 يناير ألقي القبض على شاور وأصدر الخليفة الفاطمي، العاضد لدين الله، أمرًا بقتله وعيّن أسد الدين كوزير.
كانت الأمور كلها بيد الوزراء وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي حيث كان ذلك الحال في مصر ثبل قدوم صلاح الدين مثر الدولة الفاطمية لذا أصبح أسد الدين شيركوه هو الرجل الأول في البلاد وصلاح الدين يُباشر الأمور مقررًا لها لمكان كفايته وحسن رأيه و عندما توفي أسد الدين فأسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين حيث يقال ان الزنكيون أمراء دمشق طالبوا الخليفة الفاطمي ليجعل صلاح الدين وزيرًا له وقد قبل الخليفة ذلك على الرغم من المنافسة الحادة لشدة ضعف الدولة الفاطمية وقوّة الزنكيين وشعبيتهم وشعبية صلاح الدين نفسه بين الناس وأمراء الشام بعد ما أظهره من حسن القيادة والتدبير في المعارك وعلى الرغم من ذلك لم يمرّ تولّي صلاح الدين وزارة مصر بسلام فقد تعرّض بعد بضعة أشهر من توليه لمحاولة اغتيال من قبل بعض الجنود والأمراء الفاطميين وتبيّن أن المحرّض الرئيسي على هذا كان مؤتمن الخليفة وكان خصيًا بقصر العاضد لدين الله فقُبض عليه وأًعدم.
أرسل الملك عموري رسله بعد سقوط مصر في أيدي الزنكيين لإرسال حملة صليبية جديدة فاستجاب البابا إسكندر الثالث واستعد صلاح الدين بشكل جيد فقد استطاع التخلص من حرس قصر الخليفة العاضد لدين الله واستبداله بحرس موالين له وذلك لتأخر الحملة الصليبية ثلاث أشهر منذ انطلاقها في 10 يوليو عام 1169 بسبب عدم حماسة الأمراء والبارونات الصليبيبن للمعركة استهل الصليبيون حملتهم بحصار مدينة دمياط في 25 أكتوبر عام 1169 ، فأرسل صلاح الدين قواته بقيادة شهاب الدين محمود وابن أخيه تقي الدين عمر، وأرسل إلى نور الدين زنكي يشكو ما هم فيه من المخافة فسار نور الدين إلى الإمارات الصليبية في بلاد الشام وقام بشن الغارات على حصون الصليبيبن ليخفف الضغط عن مصروقامت حامية دمياط بدور أساسي في الدفاع عن المدينة وألقت سلسلة ضخمة عبر النهرمنعت وصول سفن الروم إليها، وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يومًا بعد أن أحرقوا جميع أدوات الحصارلاحق صلاح الدين وجيشه فلول الجيش الصليبي حتى اشتبك معهم في مدينة دير البلح عام 1170 فخرج الملك عموري الأول وحاميته من فرسان الهيكل من مدينة غزة لقتال صلاح الدين لكن الأخير استطاع تفادي الجيش الصليبي وحوّل مسيرته إلى غزة نفسها حيث دمّر البلدة التي بناها الصليبيون خارج أسوار المدينة.
ثبّت الزنكيون أقدامهم في مصر وأصبح من الواضح أن الدولة الفاطمية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، فأرسل نور الدين إلى صلاح الدين طالبًا إيقاف الدعاء إلى الخليفة الفاطمي والدعاء إلى الخليفة العباسي في مساجد مصر وأخذ يراوغ في تأخير الأمر إلا أن نور الدين هدد صلاح الدين بالحضور شخصيًا إلى القاهرة فاتخذ صلاح الدين الإجراءات الشرطية اللازمة ولكن لم يتجرأ أحد على القيام بذلك إلى أن جاء شيخ سني من الموصل زائر وقام في المسجد الأزهر وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله في عام 1171 ، وفارق الحياة العاضد فأصبح صلاح الدين الحاكم الفعلي في مصر وزالت الدولة الفاطمية تمامًا حيث قام ب :
- عمل على كسب محبة المصريين
- أسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه وعزل قضاة الشيعة واستبدلهم بقضاة شافعيون
- ألغى مجالس الدعوة وأزال أصول المذهب الشيعي الإسماعيلي
- أبطل الأذان بحي على خير العمل محمد وعلي خير البشر
- أمر بأن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون جميعًا: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب في يوم الجمعة عام 116.
- أسس مدرستين كبيرتين في الفسطاط هما المدرسة الناصرية ، والمدرسة الكاملية حتى يُثبّت مذهب أهل السنة في البلاد,
بدأ التوتر في العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين بعد تزايد قوته وازداد الخلاف بينهما في عام1172 وذلك عندما اتفقا على حصار قلعتيّ الكرك ومدينة الشوبك في صحراء الأردن ورجع صلاح الدين إلى مصر قبل أن يلتقي بنور الدين خوفًا من أن يعزله الأخير عن مصر فانسحب صلاح الدين متذرعًا بالأوضاع الخطيرة في مصر فعظم الأمر على نور الدين حتى قرر المسير إلى مصر فعزم على تسيير حملة إلى مصر لخلع صلاح الدين في أقرب فرصة متاحة ووردت أنباء في عام 1172 تفيد بأن جيشًا من النوبيين قد بلغ حدود مصر لحصار أسوان فطلب أميرها المعونة العسكرية من صلاح الدين فأرسل إليه تعزيزات بقيادة شقيقه الأكبر، توران شاه، أرغمت النوبيين على الانسحابوعاد مرة اخري في عام 1173 ولكنه رد علي اعقابه وتعقبه الجيش الأيوبي حتى بلاد النوبة وفتح بلدة قصر إبريم.
دفع صلاح الدين لنور الدين 60,000 دينار، وأرفقها بحمل من أفضل البضائع وبعض الجواهر، إضافة لحصان عربي أصيل وفيل واعتبر ذلك وفاءً للدين ،استغل صلاح الدين فرصة مروره في الأراضي الشامية الصليبية لتوصيل الأموال والهدايا إلى دمشق وأغار على بعض معاقل البدو في الصحراء ليحرم الصليبيين من فرصة الاستعانة بمتقفي الأثر أو أدلاء محليين يرشدونهم في حال قرروا مهاجمة مصر أو الأراضي الإسلامية المجاورة لهم وفي عام 1174 بلغ صلاح الدين أن رجلا يسمى عبد النبي بن مهدي باليمن استولى عليهاوملك حصونها ولمّا تبيّن له قوّة جيشه وكثرة جنوده سيّر صلاح الدين أخاه شمس الدولة توران شاه إلى اليمن، فقتل ابن مهدي وأخذ البلاد منهو أعلنت الحجاز انضمامها إلى مصر أيضًا ، استحال صلاح الدين سيد مصر الأوحد بشكل فعليّ، حيث استقل عن كل تبعية سياسية وأصبح هو رأس أقوى سلالة حاكمةإسلامية في ذلك العهد، هي السلالة الأيوبية وذلك في مايو عام 1174.
بعد وفاة نور الدين نُقل الصالح إسماعيل إلى حلب وعُين سعد الدولة كمشتكين أمير المدينة وكبير قدامى الجنود الزنكيين وصيًا عليه حتى يبلغ أشدّه ولكن طمع كمشتكين فقرر فتح دمشقفراسل أمير المدينة شمس الدين بن المقدم سيف الدين غازي أمير الموصل وابن عم الملك الصالح إسماعيل طالبًا منه التدخل للمساعدة لكنه رفض فكاتب شمس الدين صلاح الدين فتجهز من مصر في جيش كثيف وترك بها من يحفظها وقصد دمشق مظهرًا أنه يتولى مصالح الملك الصالح تكوّن جيش صلاح الدين من 700 خيّال عبر بهم الكرك وصولاً إلى بصرى وفي أثناء الطريق انضمت إلى الجيش جموع من الكرد والعرب من أمراء وأحرار وبدو و دخل الجيش دمشق في نوفمبر عام 1174 ، وأول ما دخل صلاح الدين كان دار أبيه وهي الدار المعروفة بالشريف العقيقي وصعد القلعة وتسلمها من نائب القلعة الطواشي جمال الدين ريحان بعد 4 أيام من وصوله.
غنم حماة بسهولة وعدل عن حصار مدينة حمص لمناعة أسوارها ثم حوّل أنظاره نحو حلب وهاجمها بعد أن رفض أميرها "كمشتكين" الخضوع فراسل كمشتكين شيخ الحشاشين المدعو رشيد الدين سنان الذي كان على خلاف مع صلاح الدين واتفق معه على أن يقتل صلاح الدين في قلب معسكره فأرسل كتيبة مكونة من ثلاثة عشر حشاشًا استطاعت التغلغل في المعسكر والتوجه نحو خيمة صلاح الدين إلا أن أمرهم انفضح قبل أن يشرعوا بالهجوم فقُتل أحدهم على يد أحد القادة ، وصُرع الباقون أثناء محاولتهم الهرب وكان أعداء صلاح الدين في الشام والجزيرة الفراتية يطلقون حملات مضادة له ويهجونه كلّما سنحت الفرصة ، سار صلاح الدين على رأس جيشه إلى حماة ليُقاتل فرقة صليبية أُرسلت لفتح المدينة إلا أن الصليبيين انسحبوا قبل اللقاء فدخل صلاح الدين المدينة بسهولة وتسلّم قلعتها في عام 1175 ، علم سيف الدين غازي صاحب الموصل أن صلاح الدين عظم شأنه فأنفذ عسكرًا وافرًا وجيشًا عظيمًا وقدّم عليه أخاه عز الدين مسعود بن قطب وساروا يريدون لقاءه ليردوه عن البلاد فلما بلغ صلاح الدين ذلك فك الحصار عن حلب في مستهل رجب من السنة عائدًا إلى حماة استعدادًا للقائهم ، وعندما وصل عز الدين مسعود إلى حلب انضم إلى جيشه عسكر ابن عمه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين وخرجوا في جمع عظيم والتقى الجمعان عند قرون حماة بقرب نهر العاصي ووقعت بينهما معركة عظيمة هزم فيها الزنكيون على يد صلاح الدين وأُسرت جماعة منهم وذلك في أبريل عام 1175 ثم نزل على حلب مرة أخرى فصالحه الزنكيون على أخذ معرة النعمان وكفر طاب وبارين.
أعلن صلاح الدين نفسه ملكًا على البلاد التي افتتحها بعد انتصاره على الزنكيين، وخطب له أئمة المساجد يوم الجمعة باسم "الملك الناصر"وسرعان ما أصبحت سيادة صلاح الدين على البلاد سيادة مشروعة عندما أسند الخليفة العباسي في بغداد إليه السلطة على مصر والمغرب الأدنى والنوبة وغربي شبه الجزيرة العربية وفلسطين وسوريا الوسطى وخلع عليه لقب "سلطان مصر والشام".
سار صلاح الدين بعد انتصاره ليعاود حصار مدينة حلب، وفي أثناء سيره فتح الجيش الأيوبي حصن بزاعة وحصن منبج ومن ثم توجّه غربًا لإخضاع حصن أعزاز عام 571 هـ وقد عزم على القضاء على كمشتكين أمير حلب بعد محاولة اغتياله حيث اقتحم بعض الحشاشين المعسكر واستطاع أحدهم الوصول إلىه وضربه بسكين على رأسه فحمته الخوذة واستطاع إمساك الحشاش وتمكن منه وأعانه عليه وعلى رفاقه الجنود الأيوبيون وأقاربه وقتلوهم جميعًا وتمكن من فرض هدنة على كمشتكين والملك الصالح إسماعيل وأبرم حلفًا معهما وجاء في نصه أن يحتفظ الزنكيون بمدينة حلب مقابل اعترافهم بسلطان صلاح الدين على كامل الأراضي التي أخضعهاو اعترف أمراء ماردين وجوارها بسيادة صلاح الدين وبملكه على الشام وعندما انتهت الهدنة أرسل الملك الصالح شقيقته الصغرى الخاتون بنت نور الدين إلى صلاح الدين مطالبة إياه بإعادة حصن أعزاز إلى الزنكيين فاستجاب لطلبها .
أرسل بعض الفرق العسكرية إلى جبالهم وأعاد ما تبقى من جنود إلى مصروتولّى صلاح الدين قيادة الجيش بنفسه وضرب الحصار على جميع قلاع الحشاشين في أغسطس عام 1176 لكنه لم يُفلح بفتح أي منها، ففك الحصار وانسحب بجيشه وقتل منهم وسبى ثم شفع فيهم خاله شهاب الدين محمود فقبل شفاعته فصالح الحشاشين ثم كرّ راجعًا إلى دمشق وقد جعلته هذه التجربة يُدرك عجزه قتال الحشاشين فطلب من جنوده أن يراسلوهم كي يُبرم حلفًا معهم فيكون قد حقق انتصارًا وهو حرمان الصليبيين من حليف مهم.
عاد الي القاهرة وقام ب :
- حصنها وإعاد بناء أقسامها المهدمة فأقدم على إصلاح أسوارها وإمداد المزيد منها
- شرع في بناء قلعة القاهرة عام573 هـ التي عُرفت بقلعة صلاح الدين و أشرف على بنائها بهاء الدين قراقوش
- بئر يوسف البالغ من العمق 85 مترًا
- بناء جسر ضخم في الجيزة ليُشكل إحدى خطوط الدفاع الأوليّة ضد غزو مغربي محتمل.
- بنى إلى جانب المباني العسكرية بضعة مدارس لنشر العلم
- تابع إدارة البلاد الداخلية بنفسه
- اهتم بالمؤسسات الاجتماعية التي تساعد الناس وتخفف عنهم عناء الحياة
- تعهد بالإنفاق على الفقراء والغرباء الذين يلجؤون للمساجد للعيش فيها
- جعل من مسجد أحمد بن طولون في القاهرة مأوى للغرباء الذين يأتون إلى مصر من بلاد المغرب
أغار الصليبيون على ضواحي دمشق وفي عام 1177 فاعتبر صلاح الدين أن الهدنة مع مملكة بيت المقدس قد نُقضت وانتهى أمرها فجمع الرجال وسار إلى فلسطين ليُغير على بعض المواقع الصليبية، فأرسل الصلبيون جزءً كبيرًا من جيشهم إلى مدينة حارم شمال حلب ليحولوا انتباه الأيوبيين إلى تلك الأنحاء لكن صلاح الدين استمر بغزاته على بعض المواقع الثانوية في فلسطين بعد أن فرغت من الرجال الذين أرسلوا مع الجيش الصليبي ثم توجّه إلى عسقلان وواصل صلاح الدين يغزو المواقع الصليبية الثانوية الواحد تلو الآخر، فهاجم الرملة واللد، وبلغ بوّابات القدس وقام الصليبيون تحت قيادة الملك بلدوين وأرناط آل شاتيون صاحب الكرك بهجوم مفاجئ في نوفمبرعام1177 وأخذوا الأيوبيين على حين غرّة وهزموهم في تل الجزر بالقرب من الرملةوقد حاول صلاح الدين تنظيم صفوف الجيش ولكنه لم يستطع وصُرع في المعركة جميع حرّاسه فانسحب إلى مصر ، ونزل الجيش الأيوبي بقرب حمص وفي عام 1178 وحصلت بضعة مناوشات بينه وبين الجيش الصليبي، وهاجمت فرق صليبية أخرى مدينة حماة والقرى المجاورة في أغسطس عام1178 وقتلت بعض السكان لكنها هُزمت على يد حامية المدينة وأُسر كثير من أفرادها واقتيدوا إلى صلاح الدين الذي أمر بإعدامهم ، وتقدم الصليبيون بقيادة الملك بلدوين نحو دمشق في أبريل عام 1179 وشرعوا في مهاجمة القرى والرعاة في مرتفعات الجولان فتصدت لهم فرقة عسكرية أيوبية بقيادة فروخ شاه ثم انسحبت فتعقبوها حتى جنوب شرق القنيطرة حيث كان الجيش الأيوبي منتظرًا فوقعت معركة كان النصر فيها لصالح الأيوبيين.
اصر صلاح الدين على مهاجمة الذي بناه بلدوين الرابع وتدميره فسار بجيشه وجعل مركزه بانياس و هرع الصليبيون للقاء المسلمين وانقض عليهم واشتبك الجيشان في معركة طاحنة انتصر فيها المسلمون وأُسر كثير من كبار الفرسان الصليبيين ثم تحرّك صلاح الدين صوب الحصن وضرب الحصار عليه ثم دخله فاتحًا في 30 أغسطس عام 1179.
وبينما كان صلاح الدين في صفد يُحضّر لغزو بيت المقدس وفي عام 1180 راسله الملك بلدوين يعرض فوافق والواقع أن القحط في ذلك العام كان دافعًا أساسيًا لكلا الرجلين ليتوقفا عن القتال ورفض ريموند الثالث صاحب طرابلس الالتزام بالهدنة في بادئ الأمر وأصرّ على القتال لكنه سرعان ما رضخ للمعاهدة بعد أن أغار الجيش الأيوبي على إمارته .
واستقبل صلاح الدين الأمير نور الدين محمد وأخاه أبو بكر في محاولة لكسب الود وتوطيد العلاقات مع الأرتقيون في عام 1180 تمهيدًا لأي مجابهة يُحتمل وقوعها بين الأيوبيين وأمراء الموصل والأناضول والملوك الصليبيين وعاد صلاح الدين إلى القاهرة بداية عام 1181 وترك فروخ شاه ليتولّى شؤون الشام أثناء غيابه وحدثت بينه وبين البدو بعض الإشكالات حيث اتهم بعضهم بالإتجار مع الصليبيين فصادر محاصيلهم وأرغمهم على مغادرة شرق مصر والسكن في غربها واستولى على ثلثيّ الأراضي التابعة للإقطاعيين منهم .
توسّع الدولة:
أرسل صلاح الدين فروخ شاه لمهاجمة كوكب الهوا وفي أغسطس شنّ الأيوبيون هجومًا بريًا وبحريًا للاستيلاء على بيروتوقاد صلاح الدين جيشه في سهل البقاعولما بدا لصلاح الدين أن الهجوم قد يفشل فضّل إيقاف هجومه والتركيز على مهمته نحو في بلاد ما بين النهرين, حاصر صلاح الدين حلب لمدة ثلاثة أيام بمجرد أن انتهت الهدنةوما أن وصل إلى قلعة البيرة قرب نهر الفرات حتى انضم إليه كوكبري ونور الدين صاحب حصن كيفا واستولت القوات المشتركة على مدن الجزيرة الواحدة تلو الأخرى فسقطت الرها تلتها سورج ثم الرقة وقرقيسية ونصيبين ولما رأى قطب الدين كبر حجم جيش صلاح الدين لم يُقدم على إبداء أي مقاومة واستسلم على أن يحتفظ بممتلكاته وأثار صلاح الدين الأيوبي إعجاب أهالي المدينة بعدما أمر بإلغاء عدد من الضرائب.
بعد الموصل إهتم صلاح الدين بضم حلب فأرسل شقيقه تاج الملوك بوري لاحتلال تل خالد الواقعة على بعد 130 كيلومتر شمال شرق الموصل وجهّز لحصارها إلا أن حاكم تل خالد استسلم مع وصول صلاح الدين نفسه قبل ضرب الحصار, قام جيش صلاح الدين الأيوبي بالتوجه شمالاً إلى عينتاب لاحتلالها، وعسكر صلاح الدين خارج حلب وتمركز بنفسه شرق قلعة حلب في 21 مايو كما طوّقت قواته ضاحية بناقسة في الشمال الشرقي وباب جنان في الغرب وتمركز باقي رجاله بالقرب من المدينة على أمل فتحها في أقل وقت ولم يقاوم عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود لفترة طويلة وفي 12 يونيو عام1183 أصبحت حلب في أيدي الأيوبيين ، وافق صلاح الدين الأيوب على هدنة مع بوهمند في مقابل رد أسرى مسلمين كان يحتجزهم ثم ولّى علم الدين سليمان بن جندرإدارة أعزاز ، كما ولّى سيف الدين اليزقوج إدارة حلب.
وصل صلاح الدين إلى المدينة في 10 نوفمبر عام 1182 ولم يقبل عز الدين شروطه لأنه اعتبرها خدعة كبيرة وعلى الفور ضرب صلاح الدين حصارًا على المدينة المحصنة جيدًا فقرر صلاح الدين الأيوبي أن يجد طريقة للانسحاب من الحصار لذا قرر أن يهاجم سنجار التي يحكمها شرف الدين مع ترك قوة لمواصلة الحصار فسقطت سنجار بعد حصار دام 15 يومًا في30 ديسمبر عام 1182 ولم يلتزم قادة وجنود صلاح الدين بانضباطهم ونهبوا المدينة وتمكن صلاح الدين بنفسه من حماية حاكم المدينة وضباطه بإرسالهم إلى الموصل.توجّه صلاح الدين بجيشه للقاء قواته في حران في فبراير من عام 1183 ، وعندما علم عز الدين بقدوم جيش صلاح الدين أرسل رسله في طلب السلام وفرّق قواته ، أمر صلاح الدين بقتل الأسرى الصليبيين البالغ عددهم 170 مقاتل في عدد من مدن المسلمين ، من وجهة نظره كانت الحرب ضد الموصل تسير على ما يرام وعاد تقي الدين برجاله إلى حماةوغادر ناصر الدين محمد بن شيركوه بقواته شجع ذلك عز الدين وحلفائه على الهجوم فجمع قواته في حرضم وفي بداية أبريل بدأ صلاح الدين وتقي الدين تقدمهم ضد قوات عز الدين وبعد ثلاثة أيام من القتال، استولى الأيوبيون على آمد سلم المدينة نور الدين محمد بن قره أرسلان في مقابل إعادته حاكمًا للمدينة أقسم نور الدين الولاء لصلاح الدين الأيوبي ومساعدته في كل حملاته في الحرب ضد الصليبيين وبسقوط آمد قرر حاكم ماردين التحالف مع صلاح الدين الأيوبي جيث حاول صلاح الدين الحصول على دعم الخليفة الناصر ضد عز الدين حاول صلاح الدين الأيوبي إقناعه معللاً طلبه بأنه في الوقت الذي فتح مصر واليمن وأعادها تحت راية العباسيين كان الزنكيون في الموصل يؤيدون صراحة السلاجقة ولم يخضعوا للخليفة إلا وقت حاجتهم إليه. واتهم أيضًا قوات عز الدين بعرقلة الجهاد ضد الصليبيين وأكد صلاح الدين أن كل هذا من الممكن أن يحدث بمشيئة الله وبدلاً من طلب الدعم المالي أو العسكري من الخليفةو أنه سيغزو أراضي تكريت وداقوق وخوزستان وجزيرة كيش وعمان، وسيعطيها للخليفة.
تعرّض أرناط آل شاتيون صاحب الكرك لقافلة غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويتوعده إن يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أرسل صلاح الدين إلى جميع الأطراف باستدعاء العساكر لحرب أرناط وتوجه بنفسه إلى بصرى، ومنها إلى الأردن ونزل بثغر الأقحوان.
وعبر صلاح الدين نهر الأردن لمهاجمة بيسان في 29 سبتمبر عام1183 ووجدها خاوية وفي اليوم التالي أضرمت قواته النار في البلدة وساروا ليعترضوا تعزيزات الصليبيين من حصني الكرك والشوبك على طول طريق نابلس وأسروا عددًا منهم وأرسل صلاح الدين الأيوبي 500 مقاتل لمناوشة قوات الصليبيين وسار بنفسه إلى عين جالوت ، وعندما تقدمت القوات الصليبية تراجع الأيوبيون بشكل غير متوقع إلى عين جالوت رغم وجود بضع الغارات الأيوبية بما في ذلك الهجمات على زرعين والطيبة وجبل طابورلم يشارك الصليبيون بكامل قواتهم في معركة العفولة، التي التي قاد فيها صلاح الدين رجاله عبر النهر منسحبًا ببطء.
بعد أن استعصى حصن الكرك المنيع على صلاح الدين عاود مهاجمة عز الدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي الموصل التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة 1182 ولكنه تردد بسبب تحالف عز الدين مع حاكم أذربيجان ومملكة جبال وحينما علم المدافعون عن الموصل، بأن تعزيزات في طريقها إليهم ارتفعت معنوياتهم وزادوا من جهودهم وقد تزامن ذلك مع مرض صلاح الدين، لذا تم التوقيع على معاهدة سلام في شهر مارس عام 1186 .
عندما تولّى غي عرش بيت المقدس ظهرت الانشقاقات بين الصليبين وتوسعت فلم يكن عدد من الأمراء راضيًا عن توليه ومن هؤلاء ريموند الثالث "القمص" صاحب طرابلس الذي راسل صلاح الدين واتفق معه ألا يحاربه ولا يرفع عليه سيف فذهب صلاح الدين ونزل قريبًا من طبريا فسلمها له صاحب طرابلس، وسمع ملك الفرنجة المتوج حديثًا ما حدث، فحشد العامة في البلاد مع عساكر الساحل وسار للقاء صلاح الدين، وانضم إليه صاحب طرابلس ليتستر على فعله.
نزل الصليبيون قرون حطين في 5 يوليو عام 1187 وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول وهاجموا جيش صلاح الدين فقُتل من الفريقين عدد من الجنود، وكان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار ولكن دارت الدوائر في آخر النهار فإنقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه واستمرت المعركة ساعات طويلة وخسروا الصلبيون زهرة شباب جنودهم وقُتل العديد من الفرسان والضبّاط المخضرمين ووقع الملك غي آل لوزينيان وأخوه وأرناط صاحب الكرك وغيرهم من كبار الصليبيين بالأسر ، أما ريموند الثالث صاحب طرابلس فقد تظاهر بالهجوم على المسلمين ، فمر بين صفوفهم وذهب ولم يرجع كأنه أنهزم واتجه إلى مدينة صور ومكث بها.
ودعا صلاح الدين ارباط إلى اعتناق الإسلام فرفض وقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي محمد فسلّ صلاح الدين سيفه ودق عنق أرناط وأمسكه الجنود وأخرجوا جثته ورموها على باب الخيمة ورآه الملك غي يتخبط في دمائه ويلفظ أنفاسه الأخيرة فخاف وشحب لونه معتقدًا أنه لاحق به.
رحل طالبًا عكا وكان نزوله عليها يوم الأربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل عام 583 هـ، فأخذها وأنقذ من كان بها من أسرى المسلمين واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع ثم تفرقت الجنود الأيوبية في الساحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة، ففتحوا نابلس وحيفا والناصرة وقيسارية وصفورية بعد أن خلا معظمها من الرجال إما لمصرعهم على أرض المعركة أو لوقوعهم في الأسر أو لهربهم من أمام الجيش الأيوبي وفي أثناء حصار صلاح الدين لبيروت كانت فرقة عسكرية أيوبية قد استرجعت جبيل من أيدي الصليبيين ولمّا فرغ من هذا الجانب رأى أن قصده عسقلان أولى لأن حصارها وفتحها أيسر من حصار صور فأتى عسقلان وتسلّم في طريقه إليها مواقع كثيرة كالرملة والدراوم وأقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالاً شديدًا حتى استسلمت حاميتها وأقام عليها إلى أن تسلّم أصحابه غزة وبيت جبرين والنطرون بغير قتال، وهكذا كان صلاح الدين قد استرجع أغلب ساحل الشام، ولم يصمد في وجهه غير مدينتيّ طرابلس وصور وقسمًا من إمارة أنطاكية.
ووصلها من جهة عين سلوان يوم الخميس في 20 سبتمبر سنة 1187 حتى يكون الماء قريب من جيشه وأمر جنده بمحاصرة المدينة في هيئة دائرية وزحفوا للقتال بعد صلاة الجمعة ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي وكان باليان بن بارزان فارس من فرسان الفرنجة الكبار يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها وقاد القتال في ذلك اليوم وانضم إليه الكهنة والشمامسة، وكان ماهرًا في إدارة القتال وتوجيه المقاتلين أمام قوات صلاح الدين وعندما أرسل له صلاح الدين أن يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يفعل وأصر على القتال واستمر في الحرب لمدة 14 يومًا ولما رأى صلاح الدين أن الحرب ستكون شديدة أحضر يوسف البطيط، وهو رجل مسيحي أرثوذكسي مقدسي انتقل إلى مدينة دمشق وكان له معرفة بأمراء مسلمين وفرنجة استخدمه صلاح الدين لمراسلة الفرنجة وكان يعرف أحوال البلاد وأهلها كما كان يعرف كبار فرسان تلك البلاد فطلب منه أن يتفق مع المسيحيين الأرثوذكس من عرب وروم يوعدهم بالخير والعفو عنهم إذا لم يساعدوا الفرنجة في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من الجهة التي يسكنون بها في القدس فيُهلكوا الفرنجة، الذين رفض صلاح الدين أن يعفي عنهم بحال فتح المدينة، حتى هدد باليان بقتل الرهائن المسلمين، والذين يُقدّر عددهم بأربعة الآف مسلم، وتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، أي قبة الصخرة والمسجد القبلي، الذان يُشكلان المسجد الأقصى، إذا لم يعف صلاح الدين عنه فاستشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه وقبل هذه الشروط على أن يتم دفع فدية على كل من فيها فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا صار حرًا.ثم سمح صلاح الدين بعد أن إنقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية ولكن تم بيع معظم المقاتلة منهم عبيدًاو دخل صلاح الدين المدينة في ليلة المعراج في 2 أكتوبر سنة 1187 وسمح لليهود بالعودة للمدينة وأغلق صلاح الدين كنيسة القيامة بوجه الفرنجة بعد فتح المدينة وأمر بترميم المحراب العمري القديم وحمل منبر مليح من حلب كان الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب بالمسجد الأقصى وأزيل ما هناك من آثار مسيحية منها الصليب الذي رفعه الإفرنج على قبة المسجد، ثم أعاد صلاح الدين فتح الكنيسة وقرر على من يرد إليها من الفرنج ضريبة يؤديها.
توجّه صلاح الدين بجيشة إلى قلعة صفد وحاصرها سبعة شهور قبل حصار صور ولمّا نفذ الطعام اضطروا أن يسلموا القلعة له وطلب الأمان وعندما غادرها جنود الفرنجة وفرسانهم ذهبوا إلى صور وكانت كل قلعة أو حصن أو مدينة تطلب الأمان ويسلمونها إلى صلاح الدين، كان الفرنجة يغادرونها إلى صور فقويت بوجود فرسان الفرنجة فيها، فصمدت في وجه صلاح الدين سنة كاملة ففك الحصار عنها مؤجلاً تحقيق الفتح إلى فرصة قادمة ، وأطلق صلاح الدين سراح الملك غي آل لوزينيان في سنة 1188 وأعاده إلى زوجته سيبيلا ، ففتح جبلة واللاذقية وحصون صهيون وبكاس والشغر وسرمينية وبرزية ودرب ساك والكرك وكوكب كما سعى بوهمند الثالث صاحب أنطاكية لمهادنة صلاح الدين لمدة ثمانية أشهر، فقبل صلاح الدين ذلك على أن يطلق بوهمند من عنده من أسرى المسلمين.لما ضجت صور بمن لجأ إليها من الفرنجة، قام بعض رهبانهم وقسسهم بشحن الفرنجة للثأر لفقدان بيت المقدس فرأوا أن يهاجموا عكا فجمعوا قواتهم وضربوا عليها حصارًا بريًا بحريًا في 28 أغسطس 1189 واستنجدت حامية المدينة بصلاح الدين فأرسل إلى عماله وحلفاؤه يطالبهم بالاسراع إلى نجدة المدينة فوافاه عسكر الموصل وآمد وسنجار وغيرها من بلاد الجزيرة وحران والرُّها كما وافاه أخاه الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جند مصر والأسطول المصري بقيادة حسام الدين لؤلؤ، فدارت بين الفريقين معارك عظيمة لم يكتب فيها الغلبة لأي من الفريقين.
كانت معركة حطين وفتح القدس سببين رئيسيين لخروج الحملة الصليبية الثالثة حيث حثّ البابا غريغوري الثامن ملوك أوروبا على شن حملة صليبية جديدة لاستعادة بيت المقدس فكان أول من لبى النداء الإمبراطور فريدريش بربروسا الإمبراطور الروماني المقدس الذي سار بجيشه برًا عبر المجر ورومانيا حتى بلغ القسطنطينية والتي كان إمبراطورها إسحق الثاني قد تحالف سرًا مع صلاح الدين لكنه لم يسمح بتزويدهم بالمؤن ، راسل فريدريش أبناء سلطان سلاجقة الروم قلج أرسلان الثاني فسمحوا له وأرسل قلج أرسلان الثاني يعتذر لصلاح الدين على عدم قدرته على منع الألمان من المرور من أراضيه وبالرغم من ذلك فشلت حملة فريدريش في الوصول إلى الشرق لطول المسافة وحلول الشتاء على الجيش المرتحل ومقاومة بعض أمراء المناطق التي مرت بها الحملة للجيش الغازي وقلة المؤن وتصدى لتلك الحملة أيضًا ملكان من أكبر ملوك أوروبا في ذلك الوقت هما ريِتشارد الأول "قلب الأسد" ملك إنگلترا وفيليپ أغسطس ملك فرنسا، اللذان مُوِّلاها بفرض ضريبة خاصة عُرفت بعشور صلاح الدين في إنگلترا وأجزاء من فرنسا وانضما إلى حصار عكا، التي سقطت في عام 1191 أمام القوات التي يقودها ريتشارد وردّ صلاح الدين بقتل كل الفرنجة الذين أسرهم بين 28 أغسطس و 10 سبتمبر ، واشتبكت جيوش صلاح الدين مع جيوش الصليبيين بقيادة ريتشارد قلب الأسد في 7 سبتمبر سنة 1191 في معركة أرسوف التي انهزم فيها صلاح الدين إلا أن الصليبيين لم يتمكنوا من التوغل في الداخل وبقوا على الساحل وفشلت كل محاولات الفرنجة لغزو القدس.
وعقدت هدنة في 1 سبتمبر عام 1192 لمدة ثلاث سنوات وثمانية أشهر بعد أن أجهدت الحرب الفريقين التي بموجبها تنحصر مملكة بيت المقدس الصليبية في شريط ساحلي ما بين يافا وصور وتظل القدس في أيدي المسلمين مع السماح للمسيحيين بالحج إليها.
أضف تعليق