نوفمبر
2024
ولد عاطف الطيب في 26 ديسمبر 1947 في حي بولاق الشعبي بالقاهرة لأسرة بسيطة تنتمي جذورها لمحافظة سوهاج في صعيد مصر وخلال نشأته في هذا الحي الشعبي وهذه الأسرة البسيطة تأثر عاطف بشدة بهذه الطبقة الشعبية التي ينتمي لها وإليها جزء كبير من المجتمع المصري ورغم سنه الصغير ألا انه أدرك مبكرا أحوال وآلام ومعاناة هذه الطبقة. التحق بالمعهد العالي للسينما قسم إخراج وأثناء دراسته زادت مشاهداته السينمائية وبدأ يتردد على الاستديوهات والبلاتوهات ليتابع تصوير الأفلام واعتبر ذلك تطبيقا عمليا لدراسته التي عمل خلالها ولفترات قصيرة مساعداً صغيراً في بعض الأفلام. تخرج من معهد السينما بعد أن أنهى دراسته به وبعد تخرجه مباشرة التحق بالقوات المسلحة لأداء الخدمة العسكرية وأمضى 5 سنوات كاملة بالجيش وكان أحد آلاف الجنود المصريين الذين خاضوا حرب أكتوبر 1973 وقد أثرت هذه السنوات في الخدمة العسكرية في تفكير وشخصية عاطف كثيرا وجعلته مهموما أكثر بقضايا وطنه وأكثر جدية في التعامل مع هذه القضايا وأكثر وعيا وفهما لها. بعد انتهاء خدمته العسكرية عمل عاطف مساعدا للإخراج في عدد من الأفلام مع عدد من المخرجين الكبار مثل يوسف شاهين وكمال الشيخ وصلاح أبوسيف. لكن هذه الفترة لم تطل ولم يرد أن يستمر طويلا في عمله كمساعد فهو يريد أن يطرح رؤيته وأفكاره هو ولا يكتفي بتنفيذ رؤية وأفكار الآخرين حتى ولو كانوا كباراً يحمل لهم كل تقدير واحترام.
كان أول أفلامه كمخرج فيلم روائي قصير حمل اسم "مقايضة" وأظهر خلال هذا الفيلم رؤية واضحة وتمكناً ملحوظاً من الحرفة السينمائية وهو ما جعل نقاد السينما ينتظرون بشغف فيلمه الروائي الأول ولم يطل الانتظار ففي عام 1981 كان الموعد والتاريخ لأول أفلامه الروائية الطويلة "الغيرة القاتلة" من بطولة نور الشريف ونورا ويحيى الفخراني. والفيلم كله اقرب لمعالجة عصرية لتراجيديا شكسبير الشهيرة "عطيل" ورغم أن الفيلم لم يعرض جماهيريا ألا بعد فيلمه الثاني الشهير "سواق الأتوبيس" الذي أخرجه عاطف في العام التالي 1983 ويرى نقاد السينما أن ما حدث كان من حسن حظ عاطف الطيب رغم أن فيلمه الأول يحمل رؤية ولغة سينمائية عالية الا أن "سواق الأتوبيس" الذي عرض جماهيريا على انه أول أفلامه جاء كتحفة سينمائية رائعة بكل المقاييس ودخل القائمة الذهبية التي تنظم أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وفيما بعد اعتبره النقاد واحد من أهم 10 أفلام في الأربعين عاما الأخيرة.
لم يكن أحمد زكي هو النجم الوحيد المفضل عند عاطف الطيب بل كان هناك نجم آخر أو النجم الأول الذي تعامل معه الطيب وهو نور الشريف ويعد احمد ونور أهم نجمين أو النجمين المفضلين عنده وقدما معه وقدم معهما عدد من أهم أفلامه وأفلامهما في المشوار السينمائي لهذا الثلاثي فمع نور الشريف وخلال حقبة الثمانينيات باستثناء الفيلمين الأولين "الغيرة القاتلة" و"سواق الأتوبيس" كان هناك أربعة أفلام أخرى أولهما "الزمار 1984" وشارك في بطولته بوسي وصلاح السعدني ورغم أن الفيلم هو في نفس الاتجاه الواقعي لأفلام عاطف الطيب إلا انه قدمه في إطار شاعري تناول في أحداثه رؤية متأملة لواقع سياسي واجتماعي شديد القسوة وفي الفيلم الثاني "ضربة معلم 1987" الذي شارك في بطولته كمال الشناوي وصلاح قابيل.
أما الفيلم الثالث "كتيبة الإعدام 1989" الذي كان احد التجارب السينمائية القليلة لعملاق الكتابة والتأليف الدرامي الراحل الكبير اسأمه أنور عكاشة يقدم عاطف الطيب خلال هذا الفيلم رؤية واقعية لنموذج من النماذج العديدة التي طفت على السطح بعد أن سرقت واستولت على كل شيء وأصبحت من علامات هذا المجتمع المهترئ الذي ظلم أبطاله الحقيقيين ونأتي إلى الفيلم الرابع والأخير الذي تعاون فيه عاطف الطيب مع نور الشريف احد ثنائي نجمه المفضلين وكان فيلم "قلب الليل 1989" والمأخوذ عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة التي تحمل نفس الاسم ويعد هذا الفيلم واحداً من أهم الأفلام الفلسفية الرؤية في تاريخ السينما المصرية ويرى عدد من النقاد أن هذا الفيلم من أحسن أفلام الطيب من الناحية الجمالية.
واصل تقديم أفلامه المهمة جدا والمؤثرة في سيرته ومسيرة السينما المصرية حيث واصل خلالها رصد الواقع الاجتماعي والسياسي في مصر معبرا عن آلام الوطن والمواطن بواقعية صادمة وجرأة شديدة فيقدم في عام 1990 واحداً من أهم أفلام السينما المصرية وهو فيلم "الهروب" الذي يعد ملحمة سينمائية مأخوذ بعض ملامحها من الرواية الشهيرة "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ يقدم الطيب مع السيناريست بشير الديك في هذا الفيلم رصد بالغ الجرأة لواقع القهر الاجتماعي من جانب السلطة ممثلة في أجهزتها الأمنية وتلاعب هذه الأجهزة بالناس وقهرها من خلال مجتمع أصبح لا يعترف بالعدالة إلا للأقوياء. واجه الطيب مشاكل رقابية هائلة وأيضاً غضب عارم من وزارة الداخلية والحكومة التي تحفظت على الفيلم وعرضه لكن بعد حرب وصدام عنيف تم عرض الفيلم ليحقق نجاحاً فنيا وجماهيريا متقطع النظير ويكون من أهم أفلام أحمد زكي الذي عاد للتعاون مع الطيب من خلال هذا الفيلم ويلتقي هنا الثنائي "الطيب وزكي" في فيلم آخر صادم جرئ وهو فيلم "ضد الحكومة" عام 1992 ومعهما السيناريست والكاتب الكبير بشير الديك ويضرب بشير والطيب وأحمد زكي بقوة من خلال هذا الفيلم الذي دارت أحداثه في إطار سياسي ورصد قهر السلطة أحيانا وتخاذلها وتلاعبها أحيانا أخرى مع وضد مواطنيها بدلا من رعايتهم وحمايتهم حيث نجد السلطة الحاكمة في هذا الفيلم لا يهمها إلا حماية نفسها وسمعتها حتى ولو كان ذلك على حساب الناس ومن خلال قهرهم وكالعادة في كل أفلامه أو معظمها كانت هناك المشاكل والمعوقات الرقابية والسلطوية ضد الفيلم لكن صناع الفيلم لا يهدأون ويحاربون حتى يعرض الفيلم ويحقق نجاحا فنيا وجماهيريا مذهلا ولابد أن نشير إلى أن الفيلم شارك في بطولته القدير أبو بكر عزت ولبلبة وعفاف شعيب.
كان الرحيل المفاجئ لهذا الفنان الكبير في منتصف شهر يونيو عام 1995 فاجعة وصدمة هزت الوسط الفني والسينمائي والثقافي في مصر فلم يكن الطيب قد وصل إلى الخمسين من عمره حيث توفي وهو دونها بسنوات قليلة ويكتفي هنا إلى أن نشير إلى ما قاله الكاتب والروائي العالمي نجيب محفوظ عندما علم بخبر الوفاة "رحيله خسارة متضاعفة وليست خسارة واحدة فهو أحد آمال السينما المصرية".
أضف تعليق