نوفمبر
2024
نبوية موسى ابنة محافظة الشرقية التى تمردت على ظلمة النصف الأول للقرن العشرين فحطمت كل القيود الاجتماعية لتمهد الطريق لفتيات الأجيال القادمة. ولدت فى 17 ديسمبر 1886 بكفر الحكمة مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية لوالد كان ضابطا بالجيش المصري برتبة اليوزباشي في أسرة ميسورة الحال وتوفيت فى 30 ابريل 1951 تاركة سجلا حافلا بالذكريات.
استحقت عن جدارة لقب رائدة تعليم الفتيات المصريات حيث بدأت نبوية موسى تتلقي تعليمها في بيتها مثل بنات جيلها ثم درست مبادىء النحو والصرف باجتهادها الشخصي وكذلك علمها الشقيق الأكبر ألف باء اللغة الإنجليزية وظلت مثابرة على الدرس دون أن تلتحق بأي مدرسة حتى بلغت الخامسة عشرة من عمرها. فكرت في أن تلتحق بإحدى المدارس ولكن أسرتها عارضت تلك الرغبة معارضة شديدة فتقدمت سرا لامتحان النقل إلى السنة الثالثة الابتدائية وهى لا تعرف إلا القليل عن اللغة الإنجليزية.
أظهرت مقدرة عظيمة في اللغة العربية مما أدهش الممتحنين فقرروا قبولها والتغاضي عن ضعفها في اللغة الإنجليزية ودخلت المدرسة وتقدمت لامتحان إتمام الشهادة الابتدائية وكان عدد الدفعة المتقدمة في هذا العام 2783 طالبا وكان ترتيبها الـ79. ومن الطريف أن كلا من محمود فهمي النقراشي (باشا) وعباس محمود العقاد كانا بين زملائها في الدفعة وقد تقدمت عليهما في مادة اللغة العربية حيث حصلت على 27 درجة وحصل الأول على 21.5 درجة والثاني حصل على 26 درجة.
التحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية وفى عام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأميرية بمرتب أربعة جنيهات ترفع إلى ستة جنيهات بعد اجتياز مرحلة التمرين وعندما وجدت أن خريجي المعلمين العليا يمنحون ضعف هذا المرتب تقريبا فتقدمت باحتجاج إلى وزارة المعارف تدين فيها هذه التفرقة فجاءها الرد بأن تلك التفرقة ترجع إلى أن خريجي المعلمين العليا حاصلون على البكالوريا "الثانوية العامة" فقررت أن تحصل على هذه الشهادة بمجهود ذاتي حيث لم يكن يوجد في ذلك الوقت مدرسة بكالوريا للفتيات واستطاعت نبوية موسى أن تحصل على هذه الشهادة في عام 1907 لتكون بذلك أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا وكان ذلك بعد معركة خاضتها ضد وزارة المعارف الممثلة في شخص المستشار التعليمي البريطاني دوجلاس دانلوب وكان لهذا النجاح ضجة كبرى ونالت نبوية موسى بسببه شهرة واسعة.
عند افتتاح الجامعة الأهلية المصرية عام 1908 انتدبت نبوية موسى لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف سيدات الطبقة الراقية ثم في عام 1909 عينت ناظرة لمدرسة المحمدية الابتدائية للبنات بالفيوم وفي عام 1910 رشحها أحمد لطفي السيد لتكون ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة فتولت إدارتها واستطاعت أن تنهض بهذه المدرسة حتى حازت المركز الأول وبعد ذلك شعرت نبوية موسى بقصور في الكتب المقررة في تناول الموضوعات فقامت بتأليف كتاب المطالعة العربية لمدارس البنات بعنوان "ثمرة الحياة في تعليم الفتاة" في عام 1911 وقررته نظارة المعارف للمطالعة العربية في مدارسها وفي عام 1914 عينت في وزارة المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق ثم بعد ذلك عينت ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالإسكندرية وظلت في هذه الوظيفة حتى عام 1920 الذي نقلت فيه لتكون مفتشة التعليم الأولى بديوان الوزارة بالقاهرة ثم أصبحت في عام 1924 كبيرة المفتشات حتى فصلت من العمل في مارس عام 1926 بسبب تشددها من الناحية الأخلاقية وانصرفت نبوية موسى منذ ذلك الوقت إلى الاهتمام بأمور التعليم في مدارسها الخاصة فارتفع شأن مدارس بنات الأشراف بالإسكندرية التي كانت قد اشترت لها مقرا في عام 1922 وقامت بتوسيعه وتطويره في عام 1927 حتى أصبحت من أفضل المدارس بناء وتطويرا وتجهيزا وإعدادا وإدارة وتعليما وفاقت مصروفاتها المصروفات التي كانت تحصلها المدارس الحكومية ثم افتتحت نبوية موسى فرعا آخر لمدارسها بالقاهرة بشارع العباسية واستمرت في تطويره وتوسيعه حتى أصبح إلى جانب المدرسة مقرا لإدارة جريدتها التي أنشأتها بعد ذلك عام 1937.
تعتبر الفترة 1937- 1943 هى أزهى فترات نبوية موسى وأكثرها نشاطا وحيوية وفعالية بعد أن تخطت الخمسين من عمرها فقامت إلى جانب إدارة مدارسها بالقاهرة والإسكندرية بالمشاركة في الأنشطة التربوية العامة والمؤتمرات التعليمية فكانت عضوة في مؤتمر شئون التعليم كما أسهمت في مؤتمر تدريس العلوم 1942 وإلى جانب ذلك أنشأت مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم “الفتاة” صدر العدد الأول منها يوم الأربعاء 20 أكتوبر 1937 واستمرت المجلة تصدر لمدة خمس سنوات وكان آخر عدد منها السبت 5 يونيو 1943 بمناسبة عيد الجلوس الملكي وقد لعبت هذه المجلة دورا سياسيا لحساب القصر وحزب الأحرار الدستوريين ضد حزب الوفد الذي ما أن تولى الحكم حتى سارع للانتقام من نبوية موسى فأغلق مدارسها ومجلتها كما تعرضت للتفتيش والمحاكمة والاعتقال وفي عام 1946 أوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف بالإسكندرية وقفا خيريا للتعليم وسلمتها إلى وزارة المعارف التي قامت بإعادة تعيين نبوية موسى في 13 فبراير 1946 في وظيفة مفتشة عامة للتعليم الحر للفتيات بمرتب 55 جنيها حتى أحيلت إلى التقاعد في 17 ديسمبر 1946 بمعاش قدره أربعون جنيها في الشهر وقضت سنواتها الباقية في المعاش حتى توفيت في 30 أبريل 1951 وهى في نحو الخامسة والستين من عمرها تاركة تراثا مهما في الفكر التربوي وبعض المؤلفات الدراسية التي قررتها وزارة المعارف كما كان لها دور كبير في الدفاع عن حقوق المرأة حيث قامت في عام 1920 بنشر كتاب عن المرأة والعمل وشاركت أيضا في الحركة النسائية وكانت ضمن الوفد النسائي المصري المسافر إلى مؤتمر المرأة العالمي المنعقد في روما عام 1923.
أضف تعليق