نوفمبر
2024
ولد محمد سعد الدين وهبة فى 4 فبراير 1925 والتحق بمدرسة دمنهور الابتدائية وهناك حيث كان يعيش وحيدًا عرف الطريق إلى مكتبة البلدية التى كان يتردد عليها عقب انتهاء اليوم الدراسي بشكل شبه يومى. في دمنهور شاهد السينما الناطقة وشاهد فيلم "الوردة البيضاء" في أول عرض وفيها شاهد مسرحيات يوسف وهبي "الدفاع" و"راسبوتين" وغيرهما في مسرح البلدية "أوبرا دمنهور الآن". في عام 1951 التحق بكلية الآداب قسم فلسفة حيث تتلمذ على يد الأساتذة أبو العلا عفيفي ويوسف كرم وثابت الفندي وتخرج منها عام 1956. في مارس 1958 أصدر مجلة "الشهر" الأدبية وترأس تحريرها وكان من كتابها عباس محمود العقاد ومحمد مندور ورشاد رشدي ومحمود أمين العام ومن الشباب محمد زكي العشماوي ورجاء النقاش وسليمان فياض ومحفوظ عبد الرحمن ومحمود السعدني وأحمد عبدالمعطي حجازي. أسس الاتحاد العام للفنانين العرب 1997 وانتخب رئيسًا له حتي رحيله كما انتخب قبل رحيله رئيسا لاتحاد كتاب مصر.
أصدر اتحاد النقابات الفنية برئاسته قرارًا برفض التطبيع مع إسرائيل بعد عامين من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" جاء فيه "ممنوع منعًا باتًا التعامل بأي شكل من الأشكال الفنية مع إسرائيل، ويعلن عن ذلك في جميع النقابات وسيعاقب كل من يتعامل معها من أعضاء النقابات الثلاث بالفصل من النقابة. ورغم طغيان شهرته ككاتب مسرح على إبداعاته إلا أن المسرح كان أحد روافد حياته الإبداعية فقد كتب للسينما كما كتب القصة القصيرة والمقال السياسي والأدبي والفن ومارس الكتابة الصحفية والإبداعية بجميع أشكالها.
تحتل كتاباته السينمائية مكانة متميزة في تاريخ السينما المصرية والعربية وإن تنوعت مساهماته بين كتابة القصة السينمائية أو السيناريو والحوار وإن تميزت جميعها بالجدية والأصالة وارتفاع المستوى الفني والفكري وأفلامه هي "زقاق المدق" و"عروس النيل" و"أدهم الشرقاوي" و"أرض النفاق" حيث تم اختيار أربعة من هذه الأفلام ضمن أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية في الاستفتاء الذي نظمه مهرجان القاهرة السينمائي في دورته العشرين.
بدأ حياته الفنية كاتبًا للقصة القصيرة فأصدر مجموعته القصصية "أرزاق" وقد التفت النقاد إلى بعض السمات الغالبة عليها فرأوا أنها تعتمد في كثير من جوانبها علي عنصر الحوار وأن الكاتب يؤثر الأسلوب الحي السريع والحركة المتطورة على الوصف والتحليل وهو أسلوب الكاتب المسرحي. دفعه عشقه للفن المسرحي إلى قراءة المسرح العالمي بالإنجليزية فشعر من خلال قراءته للأدب الغربي المسرحي برهبة من الكتابة للمسرح فظل يكتب القصة إلى أن أجمع النقاد أن مؤلفها لا بد أن يكون مسرحيًا مما شجعه على الكتابة للمسرح.
"كاتب متعدد المواهب" هكذا اختار أبرز النقاد المسرحيين وصفه وهو الكاتب الذى سعى إلى الثورة على القيم البالية السلبية ونادى بالتغيير والقضاء على سلبيات الماضى. اشتهر سعد الدين وهبة بشكل كبير فى كتابة فن المسرح الذى عبر من خلاله عن الكثير من هموم ومشاكل الطبقات الكادحة خاصة طبقة الفلاحين. مال فكره للنظام الاشتراكى الذى سعى "عبد الناصر" لترسيخ قواعده مع بداية الستينات فجاء ذلك فى مسرحيته الشهيرة "سكة السلامة" التى قصد بها أن الانتقال من النظام الرأس مالى الى النظام الاشتراكى هو الطريق السليم للمساواة بين الطبقات الاجتماعية وتحقق – بشكل مباشر – هذا الفكر فى أعماله الأولى منذ مسرحيته الأولى "المحروسة" وصولاً إلى "سكة السلامة" 1967م.
وهبة يميل فكره للاشتراكية حيث جاءت مسرحيته "أحذية الدكتور طه حسين" لتنتقد كثيراً من القيم السلبية التى أصابت مجتمعنا المصرى فى أعقاب الانفتاح إلا أنه لا ينادى بضرورة الثورة بشكل مباشر كما فعل فى أعماله السابقة بل نجده يعرض هذه السلبيات وما وصلنا إليه بشكل واضح. لم تختلف موضوعات مسرحياته كفر البطيخ والمحروسة والسبنسة عما سبقها حيث رصدت أبعاد القضية الاجتماعية التى تمركزت حول محاولة إظهار جوانب الظلم الاجتماعى الواقع على فئات الشعب المصرى سواء الفلاحين أو أبناء المدينة.
من مسرحياته الممنوعة كانت مسرحية "الأستاذ" التى منعتها الرقابة ولم تعرض على خشبة المسرح حتى الآن. يجسد فى المسرحية فكرة حديث الطرشان حيث نرى فى المسرحية أهل المدينة الذين أصابهم الصمم التام فكانوا يتكلمون ولا يسمعون. الأمر الذى جعل ملكة البلاد تستعين بأستاذ متخصص للبحث عن وسيلة تواجه بها هذه الحالة لكن الأستاذ لا يستطيع أن يفعل شيئا بكل ما يملكه من علم إلا أن يقلب الوضع بحيث يُشفى الناس من حالة الصمم. ولكنهم يصابون بحالة أخرى هى البكم أى يسمعون ولكن لا يتكلمون وتتصاعد الأزمة ويبدأ "الأستاذ" العلاج من جديد وفى معمله يتوصل إلى علاج يأتى بنتيجة غريبة إذ نرى فريقا يسمعون ولا يتكلمون وفريقا آخر يتكلمون ولا يسمعون وينشأ الصراع بين الفريقين ذلك الصراع الذى يفجر المأساة الكاملة. المسرحية تطرح فكرة التواصل بين البشر فى كل زمان ومكان "التواصل بين البشر" مع بعضهم البعض ومع السلطة فلابد أن نسمع جيدا ونتكلم جيداً أيضاً.
أضف تعليق