نوفمبر
2024
ولد توفيق الحكيم في الإسكندرية وهو كاتب وأديب مصري من رواد الرواية والكتابة المسرحية العربية ومن الأسماء البارزة في تاريخ الأدب العربي الحديث. بالرغم من الإنتاج الغزير لتوفيق الحكيم فإنه لم يكتب إلا عدداً قليلاً من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح فمعظم مسرحياته من النوع الذي كُتب ليُقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالماً من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي. كان توفيق الحكيم يدرك ذلك جيدا حيث قال في إحدى اللقاءات الصحفية: "إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة".
في عام 1919 مع الثورة المصرية شارك مع أعمامه في المظاهرات وقبض عليهم واعتقلوا بسجن القلعة إلا أن والده استطاع نقله إلى المستشفى العسكري إلى أن أفرج عنه. عاد عام 1920 إلى الدراسة وحصل على شهادة الباكالوريا عام 1921 ثم انضم إلى كلية الحقوق بسبب رغبة أبيه ليتخرج منها عام 1925. التحق توفيق الحكيم بعد ذلك بمكتب أحد المحامين المشهورين فعمل محاميا متدربا فترة زمنية قصيرة. غادر إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراه وفي باريس كان يزور متاحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح واكتسب من خلال ذلك ثقافة أدبية وفنية واسعة إذ اطلع على الأدب العالمي وفي مقدمته اليوناني والفرنسي.
انصرف عن دراسة القانون واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا. عاد سنة 1928 إلى مصر ليعمل وكيلا للنائب العام في المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم في المحاكم الأهلية. وفي سنة 1934 انتقل إلى وزارة المعارف ليعمل مفتشاً للتحقيقات ثم نقل مديراً لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة ثم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية ليعمل مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي. استقال في سنة 1944 ليعود إلى الوظيفة الحكومية مديرا لدار الكتب المصرية. في نفس السنة انتخب عضواً عاملاً بمجمع اللغة العربية وفي عام 1956 عيّن عضوا متفرغا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة. عيّن كمندوب مصر بمنظمة اليونسكو في باريس ثم عاد إلى القاهرة في أوائل سنة 1960 إلى موقعه في المجلس الأعلى للفنون والآداب. عمل بعدها مستشاراً بجريدة الأهرام ثم عضواً بمجلس إدارتها في عام 1971.
مزج توفيق الحكيم بين الرمزية والواقعية علي نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض. في أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها علي هدف واحد. وعودة الروح هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية. في هذه القصة يعمد إلي دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد وتتجلي مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان.
مرت كتابات الحكيم بثلاث مراحل حتى بلغ مرحلة النضج وهي:
المرحلة الأولى: هي التي شهدت الفترة الأولى من تجربته في الكتابة وكانت عباراته فيها لا تزال قلقلة واتسمت بشيء من الاضطراب حتى إنها لتبدو أحيانا مهلهلة فضفاضة إلى حد كبير ومن ثم فقد لجأ فيها إلى اقتباس كثير من التعبيرات السائرة لأداء المعاني التي تجول في ذهنه وهو ما جعل أسلوبه يشوبه القصور وعدم النضج. وفي هذه المرحلة كتب مسرحية أهل الكهف وقصة عصفور من الشرق وعودة الروح.
المرحلة الثانية: حاول في هذه المرحلة العمل على مطاوعة الألفاظ للمعاني وإيجاد التطابق بين المعاني في عالمها الذهني المجرد والألفاظ التي تعبر عنها من اللغة. ويلاحظ عليها أنها تمت بشيء من التدرج وسارت متنامية نحو التمكن من الأداة اللغوية والإمساك بناصية التعبير الجيد. وهذه المرحلة تمثلها مسرحيات شهرزاد والخروج من الجنة ورصاصة في القلب والزمار.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة تطور الكتابة الفنية عند الحكيم التي تعكس قدرته علي صياغة الأفكار والمعاني بصورة جيدة وخلال هذه المرحلة ظهرت مسرحياته سر المنتحرة ونهر الجنون.
آراء معاصريه من الكبار:
أختلف الحكيم مع طه حسين في الأسلوب إلا أنه أقر له بأنجازاته حيث قال حسين: "إن الحكيم يفتح باباً جديداً في الأدب العربى هو باب الأدب المسرحى الذي لم يعرفه العرب من قبل في أي عصر من عصورهم. إلا أنه انتقده في مسرح العبث وذلك في مسرحية الأيدي الناعمة والتي قام بدور البطولة فيها وقتها يوسف وهبي، فقد نقل عن طه حسين قوله: "إن أخانا توفيق يحاول أن يكون شخصاً آخر فرنسياً يعيش في باريس ولا علاقة له بالقاهرة ومصر واللغة العربية، إن مسرح العبث عند الحكيم ثقيل الدم ولا يبعث على الضحك واذا ضحكنا فعلى المؤلف وليس مع الممثلين. إن في فرنسا شعراء عبثيبن ولكن دمهم أخف من ظلهم أما توفيق الحكيم فهو ثقيل الدم والظل معا.
رد الحكيم على تعليق طه حسين قائلا: "طبعاً مش عاجبه كل اللي أنا قلته. أنا عارف هوه عاوز واحد يقول 2 + 2 = 4، يقولها بصوت هامس وبصوت عال ويلحنها محمد عبد الوهاب وتغنيها أم كلثوم ولكن لا يوجد في الدنيا شيء بهذا الوضوح ولا هذا المنطق. بلاش الدنيا ان الإنسان نفسه عقدة العقد وليس في السلوك الإنساني هذه البديهيات وليس ضرورياً.
أضف تعليق