نوفمبر
2024
هو عبد المعطي محمد الموجي واحد من بين أربعة عشر إبناً لأسرة متوسطة الحال مات من اخوته أحد عشر أخاً وظل يخاف على من بقي منهم معه مدى حياته بطيبة قلب لم يلمسها إلا من اقترب منه وعرفه حقيقته التي تخفى على كثيرين. تخرج من المعهد العالي للخدمة الإجتماعية الذي تخرج فيه الكاتب صلاح عيسى والفنانة ليلى طاهر وظل شغفه بالفن في مرحلة ثانوية بعد البحث عن قوت يومه عن طريق الوظيفة الحكومية في أيام فن الهواة التي يصرف فيها الفنان على فنه والغريب أن الموجي على خلاف غيره ظل محتفظاً بوظيفته متدرجاً فيها حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة والتي فرح بها فرحته بجائزة سينمائية لم يحصل عليها إلا مرة واحدة من مهرجان دمشق عن دوره في فيلم "أيام الغضب".
بدأ الموجي رحلته مع الفن على خشبة المسرح مع ثلاثي أضواء المسرح في مسرحية "حواديت" في نهاية الستينيات ثم مسرحية "فندق الأشغال الشاقة" للمخرج محمد سالم ثم ظهر بعدها كواحد من الوجوه الناجحة مسرحياً التي خرجت من عباءة مسرحيات البطولة الجماعية عقب النجاح الكبير لـ"مدرسة المشاغبين" واستمر مع سمير غانم وجورج سيدهم بعد رحيل رفيقهم الضيف أحمد وقدم معهما مسرحيات متتالية مثل "جوليو وروميت" في معالجة كوميدية "على طريقة سمير غانم" لرائعة شكسبير "روميو وجوليت" ثم قدمه الثنائي غانم وسيدهم في مسرحية "المتزوجون" والتي سطرت اسم نجاح بين نجوم الكوميديا ومهدت الطريق أمامه للخروج عن عباءة الثنائي في مسرحية "يوم عاصف جداً" مع صلاح قابيل ومديحة كامل والتي تمكن من خلال دوره الصغير فيها من تكوين مساحة يتذكره بها الجمهور خاصة بعبارته الشهيرة "وفاضل لك زلطة وتطلع برة" إلى أن تولى بمفرده بطولة تمكن مسرحيات عديدة آخرها "مولد سيدي المرعب".
في التلفزيون قدم الموجي العديد من الأعمال الناجحة مثل "أهلاً بالسكان" و"بوابة الحلواني" لكن الأغرب في مسيرته التلفزيونية كان بدايته مع مسلسل "مصرع المتنبي" ودور "ضبة" الذي قيل إن المتنبي هجاه بقصيدة كانت سبباً في مقتله وكان ترشيحه لهذا الدور مثيراً لدهشة الجميع وفي مقدمتهم هو نفسه حتى إنه اتصل بالسيناريست محفوظ عبد الرحمن ليخبره أنه وصله عن طريق الخطأ عدد من حلقات المسلسل. وفي أول بروفة دخل نجاح إلى الأستويو فوجد أمامه أمينة رزق وعبد الله غيث وغيرهما من نجوم المسرح القومي من أساتذته فعاد متسللاً إلى الخارج لولا أن استرجعه بعضهم ولولا أن شهدت له أمينة بقولها "الواد ده كويس هو في دور ايه؟!" فأخذت الرهبة تنسحب عنه ليصبح بعدها نجماً تلفزيونياً.
كان فيلم "التحويلة" واحداً من الأفلام التي تبرهن على أن هذا الرجل بداخله "عبقرية تمثيلية" حقيقية من خلال شخصية حلمي أمين عامل التحويلة الفقير الجاهل والوطني في الوقت نفسه والذي يحب بلده ويتغنى لها مثل أمه المسنة وابنه الصغير وابنته المريضة وزوجته وصديقه الضابط سامي مسئول التراحيل إلى أن يأتي اليوم الذي يدفع فيه ضريبة الصداقة حينما يفقد سامي أحد مساجينه في إحدى القضايا السياسية ويقبض على صديقه حلمي ويزج به إلى السجن ليعبر الموجي وبصدق عن مأساة المواطن الطيب المظلوم من كل من حوله. ومثلما عاش في السينما والمسرح والتلفزيون على مدار ثلاثين عاماً يقدم فنه في صمت راضياً بأن يوضع في مصاف الممثلين وحسب رحل الموجي في صمت مع نوبة قلبية داهمته فجأة وظل يصارع الموت ساعتين منتظراً سيارة الإسعاف المتأخرة دائماً إلى أن فاضت روحه.
أضف تعليق